٢٠٠٨/١٠/٠١

وانا أخترت أن أعيش فى هدوء وراحة

دعانى أخ وصديق عزيز بالأمس لأقضى معه ومع عائلته أول أيام عيد الفطر المبارك. وكأحد العادات الرائعة لأهل نجد فالعائلة كلها والأعمام وأبناء الأعمام والأحفاد تلتقى فيما يسمونه أستراحة. والأستراحة تتكون من ملعب مزود بقاعة كبيرة أو قاعتين للأجتماع ومطبخ ودورة مياه. والأستراحة تتسع على الأقل لخمسين شخص. وهناك أستراحة ملحقة بها ومشابهة تماما للسيدات. فكنا نسمع دق دفوف من جهة أستراحة السيدات. وكان الأطفال يلعبون ويجرون بين الأستراحتين المفصولتين من خلال باب داخلى.وكان الشباب يلعبون الكرة ورأيت أهداف رائعة ورأيت حب وتفاعل كبير ملأ قلبى بالدفء والراحة.

وكنت أتابع المبارة وأسمع صوت الطائرات وأشاهدها وهى تمر فوقى تماما فى الخطوة النهائية لهبوطها بمطار الملك خالد الدولى. وكنت أنظر للطائرات بأعجاب شديد وتذكرت أبنى على وكيف تعلو الفرحة وجهه عندما يرى الطائرات ليتابعها ولا يستطيع رفع عينيه عنها حتى تختفى. فصغيرى على أكثر أولادى شبها بى وقد أخذ عنى شغفى بالطيران والطائرات. وكان الرجال يتحدثون ويتندرون بذكرياتهم وذكريات الأعمام والأحوال القديمة التى يسمعها الجميع بأهتمام ويأخذ كل من حضر أى قصة منها أو كان قد سمع عنها قبلا فى سرد ما رآه أو ما سمعه من رواية أخرى ويضحك الجميع على تلك المواقف الطريفة المليئة بالحب والذكريات الطيبة. وكنت أنا الشخص الوحيد الذى لا أحمل أسم العائلة ولكنى شرفت وسعدت بأن أكون معهم وواحدا منهم وأن يقبلونى معهم كأخ وصديق.

وقبل نهاية السهرة أغمضت عيناى وأستغرقت فى ثبات عميق , فاذا بصديقى يوقظنى بلطف ويعرض على أن يعود بى الى بيتى. وكانت فكرة جيدة حيث كنت مرهقا ولم أنم ليلة العيد إلا سويعات قليلة. وفى الطريق أخذنا نتجاذب أطراف الحديث و أخذ صديقى يحكى لى عن أولاده وعائلته والتحديات التى يواجهها كأب وزوج مخلص ومحب وكقائد عائلة رائع يهتم بكل ما يسعد من حوله من أولاده وزوجته وأخوانه وعائلته. وأنا أستمتع كثيرا بمشاركات صديقى لأنى أرى فيها رجولة وأسرة وأولاد وحب وأخلاص وأرى ما يعترض تلك المسيرة الرائعة من عوائق نمو وتطور طبيعية وأنظر فيها أيضا الى نفسى وأولادى وعائلتى وما أمر به وما أحب أن أحققه لى ولأولادى ولأسرتى.

وفوجئت بصديقى يوجه الى الحديث قائلا " لقد أكرمك الله كثيرا, فأنا لم أرك بهذه الطمأنينة والهدوء منذ أن عرفتك. الحمد لله أنت فى خير كبير" فقلت له كيف ترى هذا؟ فقال لى " نادرا ما كنت أراك هكذا هادئا وفى حالة أمان مع نفسك لدرجة أنى أطمأننت عنك من أحمد المسئول عن الضيافة حيث تعيش - وهو رجل من الهند رفيع الخلق وشديد الزكاء - فقال لى أنك هادئ وأنك لم تعد عصبيا كما كنت قبل ان تعود هذه المرة الى المملكة". أثارت الكلمات داخلى ذكريات كثيرة قديمة وأخذت أتذكر ما كنت عليه وما أنا عليه الآن. فتذكرت ذلك الشخص المتوتر والقلق دائما. تذكرت الخوف من المستقبل والقلق من الحاضر.

تذكرت قلقى على عملى وعلى رزقى وتذكرت قلقى على نرمين زوجتى وقلقى من ردود أفعالها وقلقى على أولادى وهن بنات يعشن بمفردهن فى مصر. تذكرت قلقى على أبنى عمر الذى لم أراه كثيرا منذ ولد ولكثرة أسفارى. وتذكرت خوفى من المستقبل ومما يحمله. تذكرت خوفى من التصرفات الغير منطقية والغير مبررة لنرمين زوجتى. تذكرت خوفى من أن أفشل فى نشاطى الجديد فى بريطانيا و أن يضيع ما أستثمرته من وقت ومجهود ومال. كنت دائما خائف وقلق. وبالمقارنة فأنا الحمد الله مطمئن وهادئ. فلقد تعلمت ألا أرى الا الخير. فكل ما يأتى من الله خير. فاذا رأيت ما يأتينى شرا فأصلح نفسى لأنى ما رأيته شرا الا لقصور فى رؤيتى للأمور ولوهن فى علاقتى مع نفسى. وعندما أصاب بهذا القصور فى الرؤية والوهن فى علاقتى مع نفسى أعود الى خالقى فأجد عنده السكينة والهدوء والأمان حينها تعود لى رؤيتى وحينها تقوى علاقتى بنفسى. فهو من بيده كل شئ وأنا عبدا ضعيفا ليس بيدى أية شئ. أنا بيدى أن أختار وأن أعيش أختيارى. وانا أخترت أن أعيش فى هدوء وراحة وأخترت أن أوفر لأولادى أبا يجدونه عندما يريدونه وأن يجدهم عندما يحرمون منه وعسى الله أن يأتينى بهم جميعا.


أحمد الدملاوى






هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

أسعدك الله وزادك هدوءا وراحة
وجمعك بكل من تحب على الخير والسعادة دوما...

أبو عمر